الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الحديث: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَأُقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ الشرح: قوله: (باب) كذا للجميع بغير ترجمة إلا للأصيلي فحذفه، وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه، والراجح إثباته كما أن الراجح حذف باب من الذي قبله، وذلك أن الأحاديث المذكورة فيه لا دلالة فيها على فضل اللهم ربنا لك الحمد إلا بتكلف، فالأولى أن يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله كما تقدم في عدة مواضع، وذلك أنه لما قال أولا " باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع " وذكر فيه قوله صلى الله عليه وسلم "اللهم ربنا ولك الحمد " استطرد إلى ذكر فضل هذا القول بخصوصه، ثم فصل بلفظ " باب " لتكميل الترجمة الأولى فأورد بقية ما ثبت على شرطه مما يقال في الاعتدال كالقنوت وغيره. وقد وجه الزين بن المنير دخول الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة فضل " اللهم ربنا لك الحمد " فقال: وجه دخول حديث أبي هريرة أن القنوت لما كان مشروعا في الصلاة كالت هي مفتاحه ومقدمته، ولعل ذلك سبب تخصيص القنوت بما بعد ذكرها. انتهى. ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقد تعقب من وجه آخر وهو أن الخبر المذكور في الباب لم يقع فيه قول " ربنا لك الحمد " لكن له أن يقول وقع في هذه الطريق اختصار وهي مذكورة في الأصل، ولم يتعرض لحديث أنس، لكن له أن يقول إنما أورده استطرادا لأجل ذكر المغرب. قال: وأما حديث رفاعة فظاهر في أن الابتدار الذي تنشأ عنه الفضيلة إنما كان لزيادة قول الرجل، لكن لما كانت الزيادة المذكورة صفة في التحميد جارية مجرى التأكيد له تعين جعل الأصل سببا أو سببا للسبب فثبتت بذلك الفضيلة، والله أعلم. وقد ترجم بعضهم له بباب القنوت ولم أره في شيء من روايتنا. قوله: (حدثنا هشام) هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: (عن أبي سلمة) في رواية مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى " حدثني أبو سلمة". قوله: (لأقربن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم المذكورة " لأقربن لكم " وللإسماعيلي " إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: (فكان أبو هريرة إلى آخره) قيل المرفوع من هذا الحديث وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات المذكورة فإنه موقوف على أبي هريرة، ويوضحه ما سيأتي في تفسير النساء من رواية شيبان عن يحيى من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء، ولأبي داود من رواية الأوزاعي عن يحيى " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة شهرا " ونحوه لمسلم، لكن لا ينافي هذا كونه صلى الله عليه وسلم قنت في غير العشاء، والظاهر سياق حديث الباب أن جميعه مرفوع ولعل هذا هو السر في تعقب المصنف له بحديث أنس إشارة إلى أن القنوت في النازلة لا يختص بصلاة معينة، واستشكل التقييد في رواية الأوزاعي بشهر لأن المحفوظ أنه كان في قصة الذين قتلوا أصحاب بئر معونة كما سيأتي في آخر أبواب الوتر، وسيأتي في تفسير آل عمران من رواية الزهري عن أبي سلمة في هذا الحديث أن المراد بالمؤمنين من كان مأسورا بمكة، وبالكافرين قريش، وأن مدته كانت طويلة فيحتمل أن يكون التقييد بشهر في حديث أبي هريرة يتعلق بصفة من الدعاء مخصوصة وهي قوله " اشدد وطأتك على مضر". قوله: (في الركعة الأخرى) في رواية الكشميهني " الآخرة " وسيأتي بعد باب من رواية الزهري عن أبي سلمة أن ذلك كان بعد الركوع، وسيأتي في تفسير آل عمران بيان الخلاف في مدة الدعاء عليهم والتنبيه على أحوال من سمي منهم. وقد اختصر يحيى سياق هذا الحديث عن أبي سلمة وطوله الزهري كما سيأتي بعد باب، وسيأتي في الدعوات بالإسناد الذي ذكره المصنف أتم مما ساقه هنا إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ الشرح: قوله: (إسماعيل) هو المعروف بابن علية، والإسناد كله بصريون، وعبد الله بن أبي الأسود نسب إلى جد أبيه، واسم أبيه محمد بن حميد. قوله: (كان القنوت) أي في أول الأمر، واحتج بهذا على أن قول الصحابي كنا نفعل كذا له حكم الرفع وإن لم يقيده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو قول الحاكم، وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث في المسند الصحيح وليس فيه تقييد، وسنذكر اختلاف النقل عن أنس في القنوت في محله من الصلاة وفي أي الصلوات شرع، وهل استمر مطلقا أو مدة معينة أو في حالة دون حالة حيت أورد المصنف بعض ذلك في آخر أبواب الوتر إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ قَالَ أَنَا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ الشرح: قوله: (المجمر) بالخفض وهو صفة لنعيم ولأبيه. قوله: (عن علي بن يحيى) في رواية ابن خزيمة أن علي بن يحيى حدثه، والإسناد كله مدنيون، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر لأن نعيما أكبر سنا من علي بن يحيى وأقدم سماعا، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك والصحابي، هذا من حيث الرواية وأما من حيث شرف الصحبة فيحيى بن خلاد والد علي مذكور في الصحابة لأنه قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم حنكه لما ولد. قوله: (فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده) ظاهره أن قول التسميع وقع بعد رفع الرأس من الركوع فيكون من أذكار الاعتدال، وقد مضى في حديث أبي هريرة وغيره ما يدل على أنه ذكر الانتقال وهو المعروف، ويمكن الجمع بينهما بأن معنى قوله " فلما رفع رأسه " أي فلما شرع في رفع رأسه ابتداء القول المذكور وأتمه بعد أن اعتدل. قوله: (قال رجل) زاد الكشميهني " وراءه " قال ابن بشكوال: هذا الرجل هو رفاعة بن رافع راوي الخبر، ثم استدل على ذلك بما رواه النسائي وغيره عن قتيبة عن رفاعة بن يحيى الزرقي عن عم أبيه معاذ بن رفاعة عن أبيه قال " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله " الحديث، ونوزع تفسيره به لاختلاف سياق السبب والقصة، والجواب أنه لا تعارض بينهما بل يحمل على أن عطاسه وقع عند رفع رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مانع أن يكنى عن نفسه لقصد إخفاء عمله، أو كنى عنه لنسيان بعض الرواة لاسمه، وأما ما عدا ذلك من الاختلاف فلا يتضمن إلا زيادة لعل الراوي اختصرها كما سنبينه، وأفاد بشر بن عمر الزهراني في روايته عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب. قوله: (مباركا فيه) زاد رفاعة بن يحيى " مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى " فأما قوله " مباركا عليه " فيحتمل أن يكون تأكيدا وهو الظاهر، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء، قال الله تعالى: وقال تعالى وأما قوله كما يحب ربنا ويرضى ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد. قوله: (من المتكلم) زاد رفاعة بن يحيى في الصلاة " فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع: أنا. قال: كيف قلت؟ فذكره. فقال: والذي نفسي بيده " الحديث. قوله: (بضعة وثلاثين) فيه رد على من زعم كالجوهري أن البضع يختص بما دون العشرين. قوله: (أيهم يكتبها أول) في رواية رفاعة بن يحيى المذكورة " أيهم يصعد بها أول " وللطبراني من حديث أبي أيوب " أيهم يرفعها " قال السهيلي روى أول بالضم على البناء لأنه ظرف قطع من الإضافة، وبالنصب على الحال. انتهى. وأما " أيهم " فرويناه بالرفع وهو مبتدأ وخبره يكتبها، قاله الطيبي وغيره تبعا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة، وقد استشكل تأخير رفاعة إجابة النبي صلى الله عليه وسلم حين كرر سؤاله ثلاثا مع أن إجابته واجبة عليه، بل وعلى كل من سمع رفاعة، فإنه لم يسأل المتكلم وحده. وأجيب بأنه لما لم يعين واحدا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه، فكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنا منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه. وكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسا، ويدل على ذلك أن في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى عند ابن قانع قال رفاعة " فوددت أني خرجت من مالي وأني لم أشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة". ولأبي داود من حديث عامر بن ربيعة قال " من القائل الكلمة؟ فإنه لم يقل بأسا. فقال:: أنا قلتها، لم أرد بها إلا خيرا " وللطبراني من حديث أبي أيوب " فسكت الرجل ورأى أنه قد هجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كرهه. فقال: من هو؟ فإنه لم يقل إلا صوابا. فقال الرجل: أنا يا رسول الله قلتها، أرجو بها الخير " ويحتمل أيضا أن يكون المصلون لم يعرفوه بعينه إما لإقبالهم على صلاتهم وإما لكونه في آخر الصفوف فلا يرد السؤال في حقهم، والعذر عنه هو ما قدمناه، والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله. واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان مخالف للمأثور، وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه، وعلى أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس وعلى تطويل الاعتدال بالذكر كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده. واستنبط منه ابن بطال جواز رفع الصوت بالتبليغ خلف الإمام، وتعقبه الزين بن المنير بأن سماعه صلى الله عليه وسلم لصوت الرجل لا يستلزم الرجل رفعه لصوته كرفع صوت المبلغ، وفي هذا التعقب نظر، لأن غرض ابن بطال إثبات جواز الرفع في الجملة، وقد سبقه إليه ابن عبد البر واستدل له بإجماعهم على أن الكلام الأجنبي يبطل عمده الصلاة ولو كان سرا، قال: وكذلك الكلام المشروع في الصلاة لا يبطلها ولو كان جهرا. وقد تقدم الكلام على مسألة المبلغ في " باب من أسمع الناس تكبير الإمام". (فائدة) : قيل الحكمة في اختصاص العدد المذكور من الملائكة بهذا الذكر أن عدد حروفه مطابق للعدد المذكور، فإن البضع مع الثلاث إلى التسع وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون حرفا، ويعكر على هذا الزيادة المتقدمة في رواية رفاعة بن يحيى وهي قوله " مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضي " بناء على أن القصة واحدة. ويمكن أن يقال: المتبادر إليه هو الثناء الزائد على المعتاد وهو من قوله " حمدا كثيرا الخ " دون قوله " مباركا عليه " فإنه كما تقدم للتأكيد وعدد ذلك سبعة وثلاثون حرفا، وأما ما وقع عند مسلم من حديث أنس " لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها " وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني " ثلاثة عشر " فهو مطابق لعدد الكلمات المذكورة في سياق رفاعة بن يحيى ولعددها أيضا في سياق حديث الباب لكن على اصطلاح النحاة، والله أعلم. *3* وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَوَى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ الشرح: قوله: (باب الاطمأنينة) كذا للأكثر، وللكشميهني " الطمأنينة " وقد تقدم الكلام عليها في " باب استواء الظهر". قوله: (وقال أبو حميد) يأتي موصولا مطولا في " باب سنة الجلوس في التشهد". وقوله "رفع " أي من الركوع " فاستوى " أي قائما كما سيأتي بيانه هناك، وهو ظاهر فيما ترجم له. ووقع في رواية كريمة " جالسا " بعد قوله " فاستوى " فإن كان محفوظا حمل على أنه عبر عن السكون بالجلوس وفيه بعد، أو لعل المصنف أراد إلحاق الاعتدال بالجلوس بين السجدتين بجامع كون كل منهما غير مقصود لذاته فيطابق الترجمة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُصَلِّي وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ الشرح: قوله: (ينعت) بفتح المهملة، أي يصف. وهذا الحديث ساقه شعبة عن ثابت مختصرا، ورواه عنه حماد بن زيد مطولا كما سيأتي في " باب المكث بين السجدتين " فقال في أوله " عن أنس قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا " فصرح بوصف أنس لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل، وقوله "لا آلو " بهمزة ممدودة بعد حرف النفي ولام مضمومة بعدها واو خفيفة أي لا أقصر. وزاد حماد بن زيد أيضا " قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه " وفيه إشعار بأنهم كانوا يخلون بتطويل الاعتدال، وقد تقدم حديث أنس وإنكاره عليهم في أمر الصلاة في أبواب المواقيت وقوله " حتى نقول " بالنصب. وقوله "قد نسي " أي نسي وجوب الهوي إلى السجود قاله الكرماني، ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أنه في صلاة، أو ظن أنه وقت القنوت حيث كان معتدلا أو وقت التشهد حيث كان جالسا. ووقع عند الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة " قلنا قد نسي من طول القيام " أي لأجل طول قيامه. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ الشرح: حديث البراء تقدم التنبيه عليه في " باب استواء الظهر". وقوله "قريبا من السواء " فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه، وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود. قوله: (وإذا رفع) أي ورفعه إذا رفع، وكذا قوله " وبين السجدتين " أي وجلوسه بين السجدتين، والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه متقارب، ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي مر في " باب استواء الظهر " وهو قوله " ما خلا القيام والقعود " ووقع في رواية لمسلم " فوجدت قيامه فركعته فاعتداله " الحديث، وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم ثم استبعده لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل، ثم قال في آخر كلامه: فلينظر ذلك من الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف من مخارج الحديث ا هـ. وقد جمعت طرقه فوجدت مداره على ابن أبي ليلى عن البراء، لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه، ولم يذكره الحكم عنه وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك، إلا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من قوله " ما خلا القيام والقعود " وإذا جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة، وكذا القعود والمراد به القعود للتشهد كما تقدم، قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل، وحديث أنس يعني الذي قبله أصرح في الدلالة على ذلك، بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم: لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود. ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد، وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع، فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثا يجيء قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس بعد قوله حمدا كثيرا طيبا " ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " زاد في حديث ابن أبي أوفى " اللهم طهرني بالثلج الخ " وزاد في حديث الآخرين " أهل الثناء والمجد الخ " وقد تقدم في الحديث الذي قبله ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من زاد في الاعتدال ذكرا غير مأثور، ومن ثم اختار النووي جواز تطويل الركن القصير بالذكر خلافا للمرجح في المذهب، واستدل لذلك أيضا بحديث حذيفة في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة بالبقرة أو غيرها ثم ركع نحوا مما قرأ ثم قام بعد أن قال " ربنا لك الحمد " قياما طويلا قريبا مما ركع. قال النووي: الجواب عن هذا الحديث صعب، والأقوى جواز الإطالة بالذكر ا هـ. وقد أشار الشافعي في الأم إلى عدم البطلان فقال في ترجمة " كيف القيام من الركوع ": ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو أو ساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة، إلى آخر كلامه في ذلك. فالعجب ممن يصحح مع هذا بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال، وتوجيههم ذلك أنه إذا أطيل انتفت الموالاة معترض بأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها، وما ورد به الشرع لا يصح نفي كونه منها، والله أعلم. وأجاب بعضهم عن حديث البراء أن المراد بقوله " قريبا من السواء " ليس أنه كان يركع بقدر قيامه وكذا السجود والاعتدال بل المراد أن صلاته كانت قريبا معتدلة فكان إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان وإذا أخفها أخف بقية الأركان، فقد ثبت أنه قرأ في الصبح بالصافات وثبت في السنن عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات فيحمل على أنه قرأ بدون الصافات اقتصر على دون العشر، وأقله كما ورد في السنن أيضا ثلاث تسبيحات. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَمْكَنَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَبَ هُنَيَّةً قَالَ فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي بُرَيْدٍ وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ الشرح: قوله: (كان مالك بن الحويرث) في رواية الكشميهني " قام " والأول يشعر بتكرير ذلك منه وقد تقدم بعض الكلام عليه في " باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم " ويأتي بقية الكلام عليه في " باب المكث بين السجدتين". قوله: (فأنصت) في رواية الكشميهني بهمزة مقطوعة وآخره مثناة خفيفة. وللباقين بألف موصولة وآخره موحدة مشددة، وحكى ابن التين أن بعضهم ضبطه بالمثناة المشددة بدل الموحدة، ووجهه بأن أصله انصوت فأبدل من الواو تاء ثم أدغمت إحدى التاءين في الأخرى، وقياس إعلاله إنصات تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، قال: ومعنى إنصات استوت قامته بعد الانحناء كأنه أقبل شبابه، قال الشاعر: وعمرو بن دهمان الهنيدة عاشهـا وتسعين عاما ثم قوم فأنصاتا وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه وعاوده شرخ الشباب الذي فاتا ا هـ. وعرف بهذا أن من نقل عن ابن التين - وهو السفاقسي - أنه ضبطه بتشديد الموحدة فقد صحف، ومعنى رواية الكشميهني أنصت أي سكت فلم يكبر للهوي في الحال، قال بعضهم: وفيه نظر، والأوجه أن يقال هو كناية عن سكون أعضائه، عبر عن عدم حركتها بالإنصات وذلك دال على الطمأنينة. وأما الرواية المشهورة بالموحدة المشددة الفعل من الصب كأنه كنى عن رجوع أعضائه عن الانحناء إلى القيام بالانصباب، ووقع عند الإسماعيلي " فانتصب قائما " وهي أوضح من الجميع. قوله: (هنية) أي قليلا، وقد تقدم ضبطها في " باب ما يقول بعد التكبير". قوله: (صلاة شيخنا هذا أبي يزيد) هو عمرو بن سلمة الجرمي، واختلف في ضبط كنيته، ووقع هنا للأكثر بالتحتانية والزاي، وعند الحموي وكريمة بالموحدة والراء مصغرا وكذا ضبطه مسلم في الكنى. وقال عبد الغني بن سعيد لم أسمعه من أحد إلا بالزاي لكن مسلم أعلم، والله أعلم. *3* وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ الشرح: قوله: (باب يهوي بالتكبير حين يسجد) قال ابن التين: رويناه بالفتح وضبطه بعضهم بالضم والفتح أرجح، ووقع في روايتنا بالوجهين. قوله: (كان ابن عمر الخ) وصله ابن خزيمة والطحاوي وغيرهما من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله عن عمر عن نافع بهذا وزاد في آخره " ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك " قال البيهقي: كذا رواه عبد العزيز ولا أراه إلا وهما، يعني رفعه. قال: والمحفوظ ما اخترنا. ثم أخرج من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال " إذا سجد أحدكم فليضع يديه، وإذا رفع فليرفعهما " اهـ. ولقائل أن يقول: هذا الموقوف غير المرفوع، فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين والثاني في إثبات وضع اليدين في الجملة. واستشكل إيراد هذا الأثر في هذه الترجمة، وأجاب الزين بن المنير بما حاصله: أنه لما ذكر صفة الهوي إلى السجود القولية أردفها بصفته الفعلية. وقال أخوه: أراد بالترجمة وصف حال الهوي من فعال ومقال ا هـ. والذي يظهر أن أثر ابن عمر من جملة الترجمة، فهو مترجم به لا مترجم له، والترجمة قد تكون مفسرة لمجمل الحديث وهذا منها، وهذه من المسائل المختلف فيها. قال مالك: هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة، وبه قال الأوزاعي، وفيه حديث عن أبي هريرة رواه أصحاب السنن، وعورض بحديث عنه أخرجه الطحاوي، وقد روى الأثرم حديث أبي هريرة " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل، ولكن إسناده ضعيف. وعند الحنفية والشافعية الأفضل أن يضع ركبتيه ثم يديه، وفيه حديث في السنن أيضا عن واثل بن حجر قال الخطابي: هذا أصح من حديث أبي هريرة، ومن ثم قال النووي: لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الآخر من حيث السنة ا هـ. وعن مالك وأحمد رواية بالتخيير، وادعى ابن خزيمة أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث سعد قال " كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين " وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع، لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما ضعيفان. وقال الطحاوي: مقتضى تأخير وضع الرأس عنهما في الانحطاط ورفعه قبلهما أن يتأخر وضع اليدين عن الركبتين لاتفاقهم على تقديم اليدين عليهما في الرفع. وأبدى الزين بن المنير لتقديم اليدين مناسبة وهي أن يلقى الأرض عن جبهته ويعتصم بتقديمهما على إيلام ركبتيه إذا جثا عليهما، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا الشرح: قوله: (أن أبا هريرة كان يكبر) زاد النسائي من طريق يونس عن الزهري " حين استخلفه مروان على المدينة". قوله: (ثم يقول: الله أكبر حين يهوي ساجدا) فيه أن التكبير ذكر الهوي، فيبتدئ به من حين يشرع في الهوي بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجدا. قوله: (ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين) فيه أنه يشرع في التكبير من حين ابتداء القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول، خلافا لمن قال إنه لا يكبر حتى يستوي قائما، وسيأتي في باب مفرد بعد بضعة عشر بابا. قوله: (إن كانت هذه لصلاته) قال أبو داود: هذا الكلام يؤيد رواية مالك وغيره عن الزهري عن علي بن حسين، يعني مرسلا. قلت: وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن الزهري، لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون الزهري رواه أيضا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن أبي هريرة، ويؤيد ذلك ما تقدم في " باب التكبير إذا قام من السجود " من طريق عقيل عن الزهري فإنه صريح في أن الصفة المذكورة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث: قَالَا وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ الشرح: قوله: (قالا) يعني أبا بكر بن عبد الرحمن وأبا سلمة المذكورين، وهو موصول بالإسناد المذكور إليهما، والكلام على المتن المذكور يأتي في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى، وإنما ذكره هنا استطرادا. وقد أورده مختصرا في الباب الذي ذكر فيه ما يقول في الاعتدال، واستدل به على أن محل القنوت بعد الرفع من الركوع، وعلى أن تسمية الرجال بأسمائهم فيما يدعى لهم وعليهم لا تفسد الصلاة. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً صَلَّيْنَا قُعُودًا فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا قَالَ سُفْيَانُ كَذَا جَاءَ بِهِ مَعْمَرٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَقَدْ حَفِظَ كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَكَ الْحَمْدُ حَفِظْتُ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَجُحِشَ سَاقُهُ الْأَيْمَنُ الشرح: قوله: (عن فرس وربما قال سفيان - وهو ابن عيينة - من فرس) فيه إشعار بتثبت علي بن عبد الله ومحافظته على الإتيان بألفاظ الحديث، وقد تقدم الكلام عليه في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " وأن قوله " جحش " أي خدش، ووقع في قصر الصلاة عن أبي نعيم عن ابن عيينة بلفظ " فجحش أو خدش " على الشك. قوله: (كذا جاء به معمر) القائل هو سفيان، والمقول له علي، وهمزة الاستفهام قبل كذا مقدرة. قوله: (قلت نعم) كأن مستند علي في ذلك رواية عبد الرزاق عن معمر فإنه من مشايخه، بخلاف معمر فإنه لم يدركه، وإنما يروى عنه بواسطة. وكلام الكرماني يوهم خلاف ذلك. قوله: (قال لقد حفظ) أي حفظا جيدا، وفيه إشعار بقوة حفظ سفيان بحيث يستجيد حفظ معمر إذا وافقه، وقوله "كذا قال الزهري ولك الحمد " فيه إشارة إلى أن بعض أصحاب الزهري لم يذكر الواو في " ولك الحمد " وقد وقع ذلك في رواية الليث وغيره عن الزهري كما تقدم في " باب إيجاب التكبير". قوله: (حفظت) في رواية ابن عساكر " وحفظت " بزيادة واو وهي أوضح، وقوله "من شقه الأيمن الخ " فيه إشارة إلى ما ذكرناه من جودة ضبط سفيان، لأن ابن جريج سمعه معهم من الزهري بلفظ " شقه " فحدث به عن الزهري بلفظ " ساقه " وهي أخص من شقه، لكن هذا محمول على أن ابن جريج عرف من الزهري في وقت آخر أن الذي خدش هو ساقه لبعد أن يكون نسي هذه الكلمة في هذه المدة اليسيرة، وقد قدمنا الدلالة على ذلك في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " وقوله " وأنا عنده " قال الكرماني: هو معطوف على مقدار أو جملة حالية من فاعل قال مقدرا، إذ تقديره قال الزهري وأنا عنده؛ ويحتمل أن يكون هو مقول سفيان، والضمير لابن جريج. قلت: وهذا أقرب إلى الصواب، ومقول ابن جريج هو " فجحش الخ " والله أعلم. الشرح: قوله: (باب فضل السجود) أورد فيه حديث أبي هريرة في صفة البعث والشفاعة، والمقصود منه هنا قوله " وحرم الله على النار أن تأكل آثار السجود " وقد ورده بتمامه أيضا في أبواب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق ويأتي الكلام عليه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى، مع ذكر اختلاف ألفاظ رواته. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنْ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ قَدْ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَيَقُولُ هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَقُولُ فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَوْلَهُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ الشرح: اختلف في المراد بقوله " آثار السجود " فقيل هي الأعضاء السبعة الآتي ذكرها في حديث ابن عباس قريبا وهذا هو الظاهر. وقال عياض: المراد الجبهة خاصة، ويؤيده ما في رواية مسلم من وجه آخر " أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم " فإن ظاهر هذه الرواية يخص العموم الذي في الأولى.
|